يشكل الماء نسبة 75٪ من وزن جسم الإنسان وهو حيوي وضروري لاستمرار الحياة وهو السائل المثالي الذي اختاره الخالق عزّ وجل لتسيير وتسهيل العمليات والتفاعلات الحيوية لبناء الجسم ومساعدته على أداء وظائفه. لذلك ومع بدء فصل الربيع وارتفاع درجات الحرارة تزداد حاجاتنا الى المزيد من المياه لتعويضه عمّا يفقده من خلال التعرّق والتبوّل والتنفس، ويبقى السؤال ما هو التوقيت المثالي لشرب الماء وكم يحتاج أحدنا من الماء يومياً وهل شرب الماء أثناء تناول الطعام صواب أم خطأ؟!
فيما يلي توضيح لهذه المسألة اعتماداًعلى نتائج الأبحاث والتوصيات الأخيرة التي يصدرها أخصائيو التغذية التي تبدو أحياناً متناقضة للتعليمات الطبية التي كانت سائدة منذ الأزل.
وإذا كان الماء يشكل نسبة 75٪ من وزن جسم الإنسان فإنّ نسبة الماء في المخ تصل الى حوالي 85٪ من وزنه، وللماء وظيفة مصيرية بكل ما يتعلق بتقليل كثافة الدم لتسهيل عملية جريانه في العروق، ولإذابة الطعام وتوزيعه في عملية استقلاب المواد.
كذلك فإن الماء يشارك في جميع العمليات والتفاعلات الكيماوية في الجسم ويحمل ويوزّع المواد الكيماوية والهورمونات بين خلايا الجسم، يساهم في تجدّد خلايا الجسم ويوازن درجة حرارته. كذلك يشكّل الماء قناة لتخليص الجسم من الفضلات والأملاح عن طريق البول.
ولتعويض الجسم عمّا يفقده من الماء يُنصح بشرب ما بين 8 الى 12 كوباً من الماء يومياً. وبالنسبة للأشخاص الذين يبذلون جهوداً جسدية في عملهم أو يمارسون الرياضة التي تتطلب قوّة بدنية وتؤدي الى إفراز كميات كبيرة من العرق، يُنصح بزيادة هذه الكميات بموجب الجهد المبذول، بالإضافة الى ضرورة تعويض الجسم عن الأملاح التي يفقدها أثناء التعرّق.
إن مسألة شرب الماء خلال تناول الطعام تمت مناقشتها مراراً ولغاية الآن لا يوجد هناك توافق بين الآراء حتى بين الأطباء والباحثين. فالذين يعارضون شرب الماء أثناء الوجبات يدّعون أن ذلك مضرّ للجسم وينصحون بشرب الماء إما قبل الوجبة بنصف ساعة أو بعدها بنصف ساعة.
هذه المسألة ليست جديدة ونوقشت منذ أكثر من ألف سنة، وقد ألّف بعض الأطباء الذين عاشوا قبل أكثر من ألف سنة بينهم الـ"رمبام" ) رابي موسى بن ميمون ( الذي كان طبيباً وفيلسوفاً، ألّفوا كتباً عديدة حول هذا الموضوع، وادعوا أن شرب الماء قبل الأكل مباشرة يضرّ بالطعام نفسه ويضرّ بالكبد".
وحسب وجهة النظر الطبية يُحظر شرب الماء خلال الأكل، وذلك لأن خلال تناول الأكل يتم تنشيط الإفرازات من الغدة اللعابية لتفتيت الطعام الذي تطحنه الأسنان، وكل إضافة كمية من الماء تؤدي الى تخفيف تركيز كمية إنزيمات الهضم الموجودة في اللعاب ، الأمر الذي يؤدي الى عرقلة هضم الطعام ومستقبلاً يقود الى نشوء مشاكل في المعدة. لذلك يوصي من يؤمن بهذا التوجّه بالشرب قبل أو بعد الأكل لا أثناء الأكل .
أما الطب الصيني فهو أيضاً لا يؤيد شرب الماء أثناء الأكل وذلك من منطلق أنّ المعدة لا "تحب" أن تكون مليئة بالماء أثناء قيامها بعملية الهضم، ومن منطلق أن شرب السوائل أثناء الأكل قد يؤدي الى الإحساس بالإمتلاء وبالثقل وبانتفاخ البطن ويسبب التجشّؤ.
ويؤمن الطب الصيني بأن عادة شرب الماء أثناء الأكل نشأت بسبب كثرة النكهات والمذاقات وتركيزها العالي الأمر الذي يمنح الإنسان الشعور بحاجته لتخفيف تركيز الطعمة. ولذلك يوصي الطب الصيني بتشكيلة غذاء معتدلة من حيث أنواع المذاقات والإمتناع من التركيز العالي لأي منها.
ويعتقد من يؤمنون بالطب الطبيعي أنّ شرب الماء خلال الأكل يخفف تركيز عصارات الهضم في المعدة ويعرقل عملية الهضم ويقلّص فترات الإحساس بالشبع، ولكن في نفس الوقت يوصون بشرب جرعات قليلة من الماء إذا شعر الشخص بحاجة ملحة لشرب الماء أثناء الأكل، وينصحون أن يضاف الى الماء عصير الليمون من أجل المحافظة على تركيز حامضية السوائل في المعدة.
بالمقابل يعتقد أخصائيو التغذية في هذه الأيام أنّ منع شرب الماء أثناء الأكل هو أمر خاطئ وأنّ ذلك مجرّد أسطورة وخرافة، قد يكون مصدرها من الرغبة بعدم الإحساس بالإمتلاء بالسوائل خلال تناول الطعام ولتسهيل عملية تناول الطعام الصلب. كذلك يفنّدون الإدعاء بأن شرب الماء يعرقل عمل إنزيمات الهضم وعملية تحليل الطعام، وذلك لأنه عند وصول الطعام الى المعدة يختلط مع عصارات المعدة وهناك يمر بعملية التحلّل الأولى، ولا يصادف الإنزيمات إلاّ عندما يصل الى الأمعاء.
ومع ذلك يوصى الذين يعانون من الحرقة والدوخة والتقيّؤ بعدم الشرب خلال الأكل وذلك لمنع الإثقال على المعدة، ويوصى مثل هؤلاء بالشرب بعد الوجبة بنصف ساعة على الأقل وأن يمتنعوا عن الإستلقاء أو النوم خلال الأكل أو بعده مباشرة، وذلك لمنع عودة الأكل من المعدة الى البلعوم، الأمر الذي يسبب الحرقة ويعرقل عملية الهضم ويلحق الضرر بالبلعوم.
أما شرب القهوة خلال الوجبة فإنه يعرقل عملية امتصاص الحديد في الدم، وينصح بشرب القهوة أو كل مشروب يحتوي على الكافئين لغاية ساعة واحدة قبل الأكل أو بعد الأكل بساعتين.
 ما الذي يحدّد جودة الماء؟!
إنّ جودة الماء تحدّد بموجب نظافته ومركّباته. فكلما كانت كمية النيتروجين في الماء أقل كلما ارتفعت جودته واعتبر نظيفاً أكثر. وكلما قلّت كمية الصوديوم وارتفعت كمية المغنيزيوم والكالسيوم في الماء، يكون ذا جودة عالية وذا قيمة غذائية أكبر، ويتوقف تركيب المياه المعدنية التي تباع في الأسواق على مصدرها، حيث تؤخذ من آبار مختلفة ذات أنواع أتربة مختلفة. وينعكس الفرق بين أنواع المياه المعدنية من خلال احتوائها على المركبات المختلفة وأهمها العناصر الأربعة التالية: مغنيزيوم، كالسيوم، صوديوم ونيتروجين. ومن الأهمية بمكان التأكيد على أنّ عملية غلي المياه تؤدي الى تنقيتها من الميكروبات ولكنها لا تغيّر في تركيب الماء من حيث احتوائه على المعادن الثقيلة ومواد كيماوية أخرى تضر الجسم.
 الماء لا يؤدي الى السمنة
وبخلاف بعض الإعتقادات التي تقول إنّ الماء يؤدي الى السمنة، فإن الماء لا يمكنه، ولا بأي شكل من الأشكال، أن يسمّن. فقد يجعل الإنسان يشعر بالإمتلاء والإنتفاخ ولكن إذا تمّ شربه بدون أي إضافات لا يمكنه أن يؤدي الى السمنة بتاتاً، لأن ما يُسمّن هو السعرات الحرارية التي تتحوّل في الجسم الى دهنيات وتتخزّن هناك.
لذلك يفضل إما شرب الماء الصافي بدون محليّات، أو شرب شاي الأعشاب الخالية من الكفائين والسكّر، مع التأكيد على أن عصائر الفواكه والخضار الطبيعية تحتوي على فوائد ولكن يجب الإنتباه الى كمية السكر والسعرات الحرارية التي تحتوي عليها والتي تؤدي الى السمنة، لذلك يجب أخذها بالإعتبار وموازنتها مع كمية الطعام ومركباته في كل وجبة.
ومن المهم التأكيد، أيضاً، على أن المشروبات الخفيفة والمشروبات الغازية تحتوي على سكر ومواد حافظة ونكهات ومواد طعم وأصباغ غذائية ضارة بالجسم ويجب اعتبارها جزءاً من الغذاء السائل الذي لا يساهم كثيراً في موازنة وضع السوائل في الجسم، خاصة وأن المشروبات الخفيفة مثل الكولا على أنواعها والمشروبات الغازية الأخرى ومشروبات الطاقة التي تحتوي على طعمات مختلفة وكفائين.
بالإضافة الى القهوة والشاب والكاكاو، كل هذه المشروبات تحفّز عمل الكليتين وتزيد من عملية إدرار البول وإفرازه، وبالتالي يتم إفراز معظم كمية السوائل التي شربناها، لذلك من المهم أن نعتاد على شرب الماء الصافي.
وطالما أن شرب الماء خلال الأكل ليس ضاراً يُنصح بإلصاق عادة الشرب بوجبات الطعام، ومعظمنا نتناول خمس وجبات في اليوم، فإذا تعوّدنا على شرب كوب ماء أو كوبين مع كل وجبة نزوّد الجسم بكمية الماء اليومية المطلوبة.
وهناك طريقة أخرى للتعوّد على شرب الماء وهي التزوّد بشكل دائم بزجاجة مياه معدنية صغيرة وملؤها من جديد اذا فرغت. ففي أيام الصيف يحتاج الشخص العادي الى شرب بين لترين ولترين ونصف من الماء في اليوم وهذا الأمر ليس صعباً ولكنه يحمي الجسم من الجفاف ويحافظ على العمليات والتفاعلات الحيوية والضرورية للجسم ويمنع تكوّن حصى الكلى، وإذا كان الشخص على قدر كافٍ من الوعي بخصوص أهمية الماء فإنه يطوّع لنفسه الظروف ويغيّر عادات أكله وشربه للمحافظة على صحته الجسدية والنفسية.

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
أخباركاينا ولا مكايناش © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top